تستيقظ ليلى (30 عاما) كل يوم والتعب بادٍ عليها، ساعات النوم لم تعد تفيدها، فهي ما زالت تشعر بألمٍ ينهش داخلها عمره أَكثر من ست سنوات منذ تزوَّجت، تقف لدقائق أمام المرآة، لا شيء تغير؛ حلم بالأُمومة يراودها على الدَّوام، وتفكير دائِم في السَّبيل لهذا الحلم، فقط عينان أثقلتا بالبُكاء. أصبحت تخاف الأسئلة والاستفسارات، فكل شيء يصب في مجرى واحد: "أنا لم أنجب أطفالا بعد". وصارت تُرعبها فِكرة تكاليف الكبر، أن تحيا حتى أرذل العمر، دون طفل يؤنس وحدتها. ولعلَّهُ قدرها أَن تعيش في مديرية المنيرة من محافظة الحُديدة، في ظلِّ أزمة طاحنة تعصِف بالبلد بكاملها، علاوةً على ذلِكَ فقرٌ مُدقع هو ما يمكن أن يُميِّز سُكَّان هذه المُديريَّة، وبالتَّالي لا سبيل للعِلاج خارج المُديريَّة، فبالكاد تتوفر الحاجات الأَساسيَّة والضَّروريَّة للعيش لأُسرتها ناهيك عن علاج يكون سبيلا لتحقق حلمها، وبالتَّالي فهذا ضربا من المُستحيل. تميل ليلى دوما إلى الوحدة، فتواجدها مع الآخرين يُنهك روحها، كثوب باهت، بقي لساعات طويلة تحت أشعة الشمس الحارِقة ففكرت ببيع ما تملك من ذهب -على قلَّته- لتتعالج بثمنه من هذه المعضلة حتَّى تتخلَّص من فجاجة اقتحام من حولها لخصوصياتها ونظراتهم النَّاقِصة لها تارةً، ونظرات الشَّفقة تارات كثيرة أُخرى. وبالفعل اتخذت القرار وباعت كل ما تملك من ذهب في سبيل هذا الحلم، وتوجهت صوب مدينة الحديدة للعلاج عند المختصين في هذا المجال ولكن دون جدوى، فعادت أدراجها بعد أن استنفدت كل ما تملك. بقيت ليلى لسنواتٍ وهي تؤمن في قرارة نفسها أن ما باليد حيلة وأن الله هو الرزاق، ومع ذلِكَ يحدوها أَمل بأَن تُرزق بمولود يُدخل الفرحة والبهجة والسُّرور لقلبِها، وعندما بدأَ مشروع مؤسسة كل البنات للتنمية بمستشفى المنيرة الرِّيفي ترددت ليلى أَيضا وفي مراتٍ كثيرة كانت تفعل ذلِكَ واتضح خلال ترددها وبعد متابعة حالتها من قِبل الأَخصائِيَّة بأَنَّها تُعاني من مشاكِل جمَّة تمنع ارتزاقها بمولود، وانتظمت على زيارة الأَخِصائِيَّة لستة شهور كاملة ومجانا تتلقى كافة الخدمات والأدوية والفحوصات هُناك، وفي أَحد أَيَّام ترددها (الذَّي تصفه بأَنَّهُ أَسعد يوم في حياتِها) اِستلمت نتيجة فحص الحمل (إِيجابي) فكادت تطير فرحا، ولم يسعها الكون برمته لشدة فرحها بذلك الخبر الذَّي تعتبره أَيضا بمثابة (ميلاد لحياة جديدة لها) حد قولها. استمرَّت ليلى بالتَّردد طيلة السِّتة الشُّهور الأُولى من الحمل على الأَخِصائِيَّة؛ لمتابعة حملها، وبالفعل رُزِقت بمولودة كالقمرِ بهاءً، كامِلة النُّمو وبولادةٍ طبيعيَّة.